مفهوم العلمنة في الحقل الثيولوجي نموذج رودولف بولتمان

ملخص:
بعض الثيولوجيون المعاصرين اعتبروا أن مفهوم “العلمنة” Sécularisationيمثل صيرورة تاريخية للمسيحية الأولى، بما هي انعكاس لتجدد فهم الرسالة الإلهية نحو فتح فسح أكثر رحابة للإرادة البشرية التي لا تعارض العناية الإلهية، بقدر ما تأكدها وتعمل على تحقيق تواصل بين العالمين في إطار إتمام الرسالة السماوية التي ابتدأها الرب وسيكملها الإنسان، فالعلمنة هي تلك التوليفة التي تستطيع الحفاظ على الحضور الإلهي فوق الأرض، وتضمن أيضا حضورا للإرادة البشرية، دون أن يكون بين الإرادتين أي تعارض أو نفي أحدهما للآخر بل على العكس كل منهما يحيل على الآخر في علاقة تواصلية تبني على علاقة الأب بالابن، منتقدا العلمنة الثيولوجية الحداثية التي لم ترق لعلمنة حقيقية وإنما علمنة متأثرة بالتصور الطبيعي، لذلك وجب إعادة بناء تصور جديد للعلمنة وفق المنظور الثيولوجي الحق، إذ يتوافق مثلا بولتمانR.Bultmann مع كارل لوفيث K.Lowith بأن الأزمنة الحديثة علمنة لتصورات اليهودية-المسيحية، الأول يعتبرها مجرد علمنة ناقصة وجب إعادة توجيهها في مسارها الصحيح، والثاني يبخس من قيمتها التغييرية ويعتبرها مجرد نقل بسيط من حقل إلى حقل.
إذن، لا وجود للتعارض- وإن بدا ظاهريا – بين الحداثة والمسيحية، بل هما متوافقان معا، إذ العلمنة ذاتها التي تحاول الانفلات عن الحجاب الديني أساسها وما تعبر عنه بكل تجلياتها ديني، فهل استطاعت العلمنة الحداثية أن تحقق الانتظارات الثيولوجية، أم أنها كانت علمنة مشوهة أخذت صورة طبيعية أكثر منها ثيولوجية؟ وماهي معالم العلمنة الوجودية كما صاغها بولتمان؟ هل نزع الأسطرة قادرة على منح أرضية أنثروبوجية لنص الديني؟
التعليقات