الاجتهاد في التفسير عند الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور
الملخّص
يفسح إعمال العقل في فهم الخطاب القرآني مجالا رحبا لاستدرار المعاني واستمطار الدلالات واستكناه الدروس والعبر، ولأن الأمر يتعلق بالوحي، يحتاج من أراد تقحم لجته أن يتوسل بعدة منهجية تحقق الفعالية والنجاعة وتحول دون الجنوح إلى جهة الإفراط أو التفريط، كما هو الشأن مع الذين تنكبوا عن مهيع الوسطية، فمنهم من كاد أن يخلط بين الوحي وبين ما أنتج حوله من أفهام ورؤى، ومنهم من اطرح كل ذلك مدعيا استنفاد أغراضه وانتهاء مدة صلاحيته.
لذا كان لزاما البحث في المظان المعتبرة من أجل استبانة معالم استئناف النظر في بصائر القرآن الكريم وهادياته، تحققا وتحقيقا لعدم إمكانية نضوب معطياته، وتعذر الزعم بنفاد كلماته.
ومن هؤلاء الأعلام المبرزين ذوي القدح المعلى والخبرة الواسعة- تنظيرا وتطبيقا- الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور من خلال تفسيره التحرير والتنوير، الذي اتسم تناوله للقضية بميسم الرسوخ والمسؤولية والإبداع، ومنه يكون من المفيد استلهام أسلوبه والنسج على منواله استشرافا للآفاق الواعدة وتطلعا للقراءة التفاعلية المجدية والبناءة.
تسعى هذه الورقة إلى معالجة إشكالية التوجس خيفة من إعمال الرأي والنظر واعتقاد الغنية في الأثر في فهم الخطاب القرآني، والتهيب خشية انتهاك قداسة القرآن الكريم. ولذا يرنو البحث إلى بيان أن طبيعة النص القرآني تستلزم إعمال العقل وتفتح مجالا واسعا للاستنباط وانبجاس المعاني واندهاق الدلالات.
وإن من دواعي تعطيل فيض القرآن الزراية بالفكر والنظر، ومنه يفترض البحث أن من مخارج الحل البناء على جهود السابقين من المفسرين الذين كانت لهم الجرأة الكبيرة على تثوير الآيات والسور، واستدرار المعاني والدلالات والدروس والعبر منه. ومن هؤلاء الشيخ الطاهر ابن عاشور الذي عرف بتحرير المعنى السديد وتنوير العقل المجيد.
التعليقات