دراسات

منهج الكتابة التاريخية عند ابن خلدون ومدرسة الحوليات

دراسة مقارنة

ملخّص

أصدر أسد رستم كتابا سنة 1939، تحت عنوان “مصطلح التاريخ”، عبر فيه عن اندهاشه العميق لما رآه من تشابه كبير بين القواعد التي يعتمدها المحدثون في “تحري الرواية والمجيء باللفظ”  و “ما ورد في الموضوع نفسه في كتب الفرنجة في أوروبا وأمريكا”. فصرح، موضحا العلاقة القوية الموجودة بين ما أسماه “الميتودولوجيا الغربية” والقواعد التي أقرها علماء الحديث منذ قرون: “وبعض القواعد التي وضعها الأئمة منذ قرون عديدة للتوصل إلى الحقيقة في الحديث تتفق في جوهر بعض الأنظمة التي أقرها علماء أوروبا فيما بعد في بناء علم الميتودولوجيا. ولو أن مؤرخي أوروبا في العصور الحديثة اطلعوا على مصنفات الأئمة المحدثين، لما تأخروا في تأسيس علم الميتودواوجيا حتى أواخر القرن الماضي”.

أما المؤرخ الإنجليزي، أرنولد توينبي (Arnold Toynbee)، فقد أكد في مصنفه الشهير “دراسة في التاريخ”، وكما هو مسطر أعلاه في لغته الأصلية، أن عبد الرحمن بن خلدون قد قام في كتاب المقدمة، الذي صدر به تاريخه، بتصور وصياغة فلسفة للتاريخ تعد، بلا شك، أعظم عمل أبدعه عقل بشري إلى حدود ذلك التاريخ.

أتينا بهذه النموذجين لكي نبين، من خلالهما، كيف أن الثورة المنهجية التي شهدتها عدد من العلوم الإنسانية، ومنها التاريخ، منذ نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا الغربية، قد سبقتها ثورات من نفس النوع داخل العالم الإسلامي. بل يتضح لنا أن هناك استمرارية ما، معلنة أو مضمرة، بين ما توصل إليه مفكرو العالم الإسلامي في عدد من العلوم وما أحرزته المدارس الغربية من تقدم كبير في هذا المضمار، مع اختلاف جوهري يتمثل في كون هذه الثورات بقيت في الحالة الإسلامية منعزلة ومتقطعة، ولم تحقق التراكم والاستمرارية المطلوبين كما حصل مع نظيراتها في أوروبا الغربية.

في هذا الإطار، تثار عدد من الأسئلة عن العلاقة التي يمكن أن تكون قد جمعت بين ابن خلدون ومدرسة الحوليات على مستوى منهج الكتابة التاريخية؛ لأن المتأمل في مصنف هذا الأخير، الموسوم بـ”المقدمة”، تشد انتباهه درجة التشابه الكبيرة بين ما تطرق إليه من قضايا تتعلق بقواعد الكتابة في حقل التاريخ والمنهج الذي دافع عنه رواد مدرسة الحوليات ومارسوه في كتابة أبحاثهم التاريخية طيلة القرن الماضي. ويظهر هذا التشابه، بشكل خاص، على مستوى الخطاب المنهجي؛ إذ على الرغم من الفارق الزمني الذي ناهز ستة قرون، يفاجئنا حضور ابن خلدون المتعدد في عدد من القضايا المنهجية التي تطرق إليها رواد هذه المدرسة، مما يعزز لدينا الاعتقاد أن ابن خلدون قد أحرز قصب السبق في موضوع التجديد المنهجي في حقل الكتابة التاريخية قبل أن تشتهر به مدارس معاصرة، مثل المدرستين؛ المدرسة المنهجية التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، ومدرسة الحوليات التي تلتها وفرضت نفسها بقوة في القرن العشرين داخل الأوساط الأكاديمية الفرنسية وخارجها.

لقراءة البحث كاملا يرجى الضغط هنا

التعليقات

اظهر المزيد

أ. د. محمد بلعربي حواش

باحث وأكاديمي مغربي، يعمل حاليا أستاذا للتعليم العالي تخصص التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة السلطان مولاي سليمان، بني ملال. حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ والحضارات، جامعة ليون الثانية، فرنسا، 1989، تحت عنوان: «مغرب الثلاثينات: التحولات السوسيوـ اقتصادية وامتداداتها السياسية». وهو أستاذ زائر في عدد من الجامعات المغربية، وله عضوية في عدد من اللجان والهيئات العلمية والبحثية بالجامعة وخارجها، عضو مؤسس لمركز المعرفة والحضارة بالكلية 2007م، من مؤلفاته: "ـخطاب التضامن الإسلامي في ضوء حملة نابليون بونابرت على مصر والشام وموقف المغرب منها،(1798-1801)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013م، "دراسات وبحوث حول إفرقيا والمجال العربي ـ المتوسطي، مركز النشر الجامعي، تونس، 2013 (كتاب جماعي)، "جوانب من علاقات المغرب بالبلدان المتوسطية (مصرـ بلاد الشام ـ فرنسا)، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2015م، (كتاب جماعي) وكتاب "نظرات في تاريخ المدن المغربية، المطبعة الملكية، الرباط، 2018م"، (كتاب جماعي) ....إلخ. وشارك في عدد من المؤتمرات الدولية والوطنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *