دراسات

مقاصد التوظيف الرسالي للمال العام

الملخص

لما كان المال هو القوة التي بها تنتعش وتتقوى الشعوب، وبها تستطيع حماية سيادتها واستقلالها، وبها تقف في وجه كل ظالم مستبد، فإن السبيل إلى المال لا يكون إلا بالنظام المالي القوي، الذي يسهم في بناء دعائمه كل مكونات المجتمع، وعلى رأسها المختصون المهتمون بشئون دولهم ومجتمعاتهم وقضايا الحياة ووسائلها.

ولما كان كل مجتمع راقٍ متحضر يحاول أن يحافظ على كيانه الخاص، ووحدته وصلابته وقوته، وتحقيق العيش الكريم لشعبه، فقد كان التفكير دائما متواصلا في البحث عن نظام يكفل التقسيم العادل لثروات البلاد، بما يحقق لكل إنسان داخل ذلك المجتمع ما يحتاجه في معاشه اليومي، مع العمل بطبيعة الحال على تطور المدنية وتقدمها، نظام يتأسس على الأهداف الاستعدادية، وتحقيق القوة في كل مناحي الحياة الخاصة والعامة.

ولما كان المال بكل تلك الأهمية، فقد اهتم المخلصون من علماء المسلمين في كل عصر ومصر بكيفية إنتاجه وتنميته، وكيفية تقسيمه، وواجهوا المؤسسة السياسية المستبدة بأنظمتها ذات الأفق الفكري والسياسي الضيق، وأدانوها إدانة صارخة، وحملوها مسؤولية الانحدار والتراجع الذي عرفته الأمة، وفي العصر الحديث أيضا حمل العلماء الملوك والحكام – التي مازالت تغلب عليها ذهنية التغلب والاستبداد في الممارسة السياسية – مسؤولية السقوط في قبضة الاستعمار الاستعبادي الاستعلائي، لأنهم كرسوا فكرة القابلية له بدل فكرة الاستعداد لمواجهته، لأن ما كان يعنيهم هو التنعم بالمال العام، وصرفه في غير وجوهه المشروعة، وهو نفسه المشكل الذي ما زالت تعيشه الشعوب الإسلامية إلى يومنا الراهن، في ظل نهب المال العام، وعدم تقسيمه بالمنهج الذي انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم.

لقد بات الاهتمام بالتوظيف الرسالي للمال واجب شرعي وضرورة حياتية، فهو أساس الإصلاح الشامل المستوعب لمناحي الحياة. ولذلك لابد من الاضطلاع بهذا الثغر بالتخطيط والتوجيه والتنظير، ولابد من الاهتمام بمصادر الثروة، والنظام الذي ينبغي أن يُتبع حتى يعم الخير على الجميع؛ حاكمين ومحكومين في إطار التقسيم العادل لها، تحقيقا للتنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر والتهميش من جهة، ومن جهة ثانية ليصرف المال العام في تنشيط الحركة الاقتصادية، وتنمية الخبرة العلمية والتأطيرية، والتجارب العسكرية والفنية، وكل ما من شأنه أن يعود على الأمة بالمنافع، فالمال أساس الابتكار والتجديد، وهذا هو التوظيف الرسالي للمال العام المحقق للسيادة والاستقلال من التبعية لأية قوة اقتصادية في العالم، وهو التوظيف الذي سيحقق مقصد الغلبة والتمكين للمسلمين الذي يسهم بشكل مباشر في تحقيق مقصد البناء المحقق لمقصد عمارة الأرض.

لتحميل البحث كاملا المرجو الضغط هنا

التعليقات

اظهر المزيد

دة. الصنهاجي الزوهرة

باحثة مغربية، حاصلة على الدكتوراه في "الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية"، بجامعة السلطان مولاي سليمان - كلية الآداب والعلوم الإنسانية - بني ملال 2018. وماجستير في الفكر الإسلامي - تخصص: "الحوار الديني والحضاري وقضايا الاجتهاد والتجديد في الثقافة الإسلامية" سنة 2011. باحثة بمركز دراسات المعرفة والحضارة، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال المغرب، شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات داخل وخارج أرض الوطن. نشرت لها بعض الكتب، منها: "المعرفة الكفائية ووظيفتها في البناء الحضاري"، "الفكر الإصلاحي بالمغرب الحديث؛ قضايا ومناهج"، كما نشرت لها العديد من المقالات، منها: "علال الفاسي والمدركات الجماعية، قراءة تجديدية لمفهوم الحرية"، "مناهج الفكر النقدي الإصلاحي عند أبي علي الحسن اليوسي"، "الفكر الإصلاحي عند الحسن الثاني".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *