مفهوم الدين والأخلاق بين وليم جيمس وهنري برجسون: دراسة نقدية مقارنة -1-
لقراءة الدراسة كاملا المرجو الضغط هنا
الملخص
ترجع أهمية البحث في مفهومي الدين والأخلاق إلى ما عرضه برجسون من مقدمة لكتاب جيمس (البراجماتية) حيث قال: “إن الحقيقة اختراع شيء جديد، وليس اكتشاف شيء كان موجوداً من قبل”. ولذا ينبغي معرفة معنى الحقيقة (الصدق) عند جيمس، وكيف انعكس ذلك على مفهوم الدين والأخلاق عنده. فصدق الفكرة هو ما تؤدي إليه من نتائج فعلية عملية مثل السعادة والرضا والطمأنينة. وهذا ما نجده أيضاً عند برجسون
ومن هنا جاء هذا البحث دراسة مقارنة بين مفهومي الدين والأخلاق لدى كلٍ من جيمس وبرجسون.
كما يمكن القول إن الدين يمثل نزعة روحية عالية داخل كلٍ منا، لاسيما إذا كان مرتبطاً بالأخلاق التي تترجم السلوك العملي في الحياة. فالإنسان ينظر للنتائج العملية التي تعود عليه من الدين، وهذا ما يجعله يشعر باليقين في صدق هذه التجربة الدينية، خاصة وأن الفرد دائماً في حاجة إلى الشعور بمشاركة قوة أعظم من قوته، وهي القوة الإلهية، التي تنقذه مما ألَّمَ به من شدائد، ومن ثم فهو يحتاج إلى إرادة الاعتقاد في ذلك، وهذه الإرادة تتطلب الحرية.
تكمن أهمية هذا البحث أيضاً في أنه لا يتناول الدين بالمفهوم التقليدي كما هو معروف في الديانات السماوية، ولكنه يتناوله من بُعد سيكولوجي عند جيمس، ومن بُعد فلسفي عند برجسون. وهذان البُعدان يحملان كثيراً من الأبعاد العميقة للدين. يتخذ وليم جيمس عدة مصطلحات تعبر عن الدين عنده منها: التجربة الدينية، الخبرة الدينية، الصوفية (التصوف)، الانفعال الكوني.
وهنا يدور في ذهننا، إدراك الفرق بين هذه المصطلحات ولكن ما يجب معرفته هنا هو أن التجربة الدينية هي التجربة الشاملة، هي الوعاء الذي يحمل في جعبته كل خبرة دينية، بما في ذلك التصوف. فالتجربة الدينية تعددية، تحتمل قبول كل الديانات المتعددة، كما تشمل تعدد معتنقيها. أما التصوف فهو تجربة واحدية، لا يشعر بقيمتها إلا من يعانيها ويعايشها، وهي أيضاً قد أثارها جيمس.واستخدم برجسون مفهوم الدين الساكن والمتحرك، وعلاقتهما بالأخلاق المغلقة والمفتوحة في إطار الديمومة والوعي والحرية.
وهذا البحث محاولة لإيضاح موقف جيمس من الواحدية (التصوف)، فهل جيمس يؤيد الواحدية، أم يميل إلى التعددية في التجربة الدينية؟ خاصة وأن نزعة جيمس الدينية تدعو للإرادة الحرة في الدين، والتي يسميها إرادة الاعتقاد، فكل إنسان له الحق في اعتناق ما يريد ـــــــــ أياً كانت عقيدته، فهناك عقائد سماوية وعقائد وضعية ـــــــ. ومن ثم فإن العقيدة من الممكن أن تتعدد بتعدد أفرادها. هذا فيما يتعلق بجيمس.
وإذ كان برجسون قد تناول، أيضاً، قضية التصوف، فبأي معنى يكون التصوف عنده؟ وكيف تكون المقارنة بين تجربتي جيمس وبرجسون (الدينية والأخلاقية)؟، هذا ما سيتضح خلال البحث.
تكمن إشكالية البحث – من خلال مقارنة مفهومي الدين والأخلاق عند جيمس وبرجسون – في سؤال مهم ألا وهو: هل هناك أوجه اتفاق بينهما؟ وكيف أثار جيمس التجربة الدينية في تعددها، والتصوف في واحديته؟ وهل قضية التصوف عند جيمس تحمل المعنى نفسه عند برجسون، وهل تحمس جيمس للتصوف مثلما تحمس له برجسون؟ ومن خلال بيان أوجه المقارنة، من اتفاق واختلاف بينهما، يدور هذا البحث، ومن خلال المقارنة أيضاً تبرز أهمية الارتباط بين الدين والأخلاق، لكونهما نزعة روحية، وإنسانية، تدعو للحفاظ على كرامة الفرد، وحريته، والتمسك بقيم دينية ـــ أخلاقية، فردية وجماعية تهدف لصالح الإنسان وسعادته. كما تفرق بين الواحدية والتعددية فيما يتعلق بالدين، وأيهما أهم من الثانية، وأيهما يصل إليه جيمس.
هذا وسيأتي البحث في هذه القضايا في ثلاثة أجزاء.
1- الجزء الأول يتناول الملامح الأساسية للبرجماتية عند وليم جيمس.
2- الجزء الثاني يعالج الدين والأخلاق عند جيمس من منظور أخلاقي.
3- الجزء الثالث يتناول الدين والأخلاق عند برجسون وفيه عقد للمقارنة بين جيمس وبرجسون، من حيث الاتفاق والاختلاف ، وتناولهما للتصوف عند أفلوطين والفلسفة الهندية. بالإضافة إلى تعقيب. وفيما يلي من صفحات سنعرض للجزء الأول والخاص بالملامح الأساسية للبراجماتية.
التعليقات