سؤال الحرية في الفكر العربي والإسلامي المعاصر: أبو القاسم حاج حمد نموذجا
الملخّص
لا تعسف في القول إن مشكلة الحرية هي بلا شك من أقدم المشكلات وأعقدها. حقا إن مشكلة الحرية هي قفل الميتافيزيقا الذي علاه الصدأ من كل جانب -على حد تعبير الفيلسوف الانجليزي بين Bain-، ولكنها قد اكتسبت أهمية جديدة في الفلسفة المعاصرة بحيث قد يكون من الممكن أن نعدها مفتاح المشكلات جميعا.
لقد أبدى التيار الإسلامي حرصا على التميز في التعامل مع مفهوم الحرية، وتقديم فهم يختلف عنه في المجال التداولي الآخر، عنينا الغربي؛ فبينما يسعى هذا الأخير لمفصلة مفهوم الحرية في ضوء قوانين الطبيعة وإكراهاتها، وقوانين التاريخ والبحث عن مساره والتساؤل عن الحتمية والتقدم والهادفية، والعلاقة بين الفرد والمجتمع والبحث في علاقات السُلطة، ينظر المُسلم لمفهوم الحرية الإنسانية وهو يأخذ في اعتباره – إضافة لهذه المعاني – الفعالية الإلهية في الكون، فحتّى الخلاف الشهير بين المعتزلة والأشاعرة في قضية خلق الأفعال لم يُلغِ فيه أي من الطرفين الفعالية الإلهية في الكون، كما أكدت جميع الفرق الكلامية على أهمية هذه النقطة.
تأتي الدراسة –إذاً- بهدف تتبع تطور الخطاب الإسلامي في مسألة الحرية متخذين من الحرية في فكر أبي القاسم حاج حمد أنموذجا، محاولين من خلالها سد فراغ ظل تراثنا المدون بالعربية يعانيه؛ إذ لا نلمس اهتماما بدراسة تطور الخطاب الإسلامي في مسألة الحرية فهناك مجرد حديث عام ومجزء حولها، وتكاد تنعدم الدراسات المعمقة والمتخصصة، مع أن هذا لا يعني عدم ورود إشارات حولها في بعض دراسات تاريخ الفكر العربي الحديث، لكنها تتحدث عن المسألة في سياق الحديث عن أسباب التأخر أو التقدم مثلا، أو في سياق الحديث عن العلاقة بالغرب، أو غير ذلك. إضافة إلى بعض الدراسات الأكاديمية التي درست المسألة بشكل يكتنفه الكثير من التعميم وتنقصه الروح العلمية المنصفة، أو يغلب عليها الطابع الصحفي، فبقيت تلك الدراسات أسيرة لمواقف أيديولوجية مسبقة، أو أسيرة لآراء متحيزة يجري تداولها كمسلمات.
التعليقات